عندما نتتبّع المصادر الروائية الشیعیة نجد من خلالها أخباراً عدیدة غیر صالحة للاستخدام في طریق استنباط الأحکام الشرعية وذلک أن انتسابها إلی المعصومین علیهم السلام مشکوک أو منتفٍ، فتقتضي الحاجة إلی معیار نستطیع باستخدامه أن نمیّز الأخبار المعتبرة حتی نستند إلیها – لا غیرها – في طریق استنباط الأحکام الشرعية، ومن أجل ذلک قام بعض العلماء بجعل معاییر لتمییز الأخبار بعضها من بعض من حیث الاعتبار، ومن أشهر هذه المعاییر هو اعتبار الأشخاص المذکورین في سلسلة سند الرواية، فقسّموا الأخبار من حیث السند إلی أربعة: الصحیحة، الموثّقة، الحسنة والضعيفة.

أما الأول – وهو الأخبار الصحیحة – فأقواها اعتباراً وأحسنها للاستخدام في طریق استنباط الأحکام الشرعية، وقد عرّفوها بأنها الأخبار التي قد ذکر أسماء رواتها کافة من دون أن یکون قد حُذف بعضها أو جاء بتعابیر مبهمة کـ «رجلٍ» وکلّ هؤلاء الروات إمامي في المذهب وثقة في الرواية فالرواية المذکورة في الکافي مثلاً: «إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَ الْبِرَّ لَيُهَوِّنَانِ الْحِسَابَ وَ يَعْصِمَانِ مِنَ الذُّنُوبِ فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَ بَرُّوا بِإِخْوَانِكُمْ وَ لَوْ بِحُسْنِ السَّلَامِ وَ رَدِّ الْجَوَابِ » صحیحة لأنّ سلسلة سندها هي «مُحَمَّدُ بْنُ‏ يَحْيَى‏ عَنْ‏ أَحْمَدَ بْنِ‏ مُحَمَّدٍ عَنِ‏ ابْنِ‏ مَحْبُوبٍ‏ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قال سَمِعتُ أباعَبدِاللهِ ع یَقُولُ...»؛ فجمیع الرواة قد ذکر أسماءهم في السلسلة وکلّهم إمامي ثقة.

و أما الثاني من أقسام الأخبار – وهو الأخبار الموثّقة – فقد عرّفوها بمثل ما عرّفوا الأخبار الصحیحة إلا أن بعض رواتها الموجودین في السلسة فاسد المذهب، فالمشروط في کون روايةٍ موثّقةً هو ذکر أسماء رواتها کافة ووثاقتهم. فالرواية المذکورة في الکافي «صَدِيقُ كُلِّ امْرِئٍ عَقْلُهُ وَ عَدُوُّهُ جَهْلُهُ » موثّقة لأن سلسلة سندها هي «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ‏...» فالرواة کلهم مذکورون بالأسماء وثقات إلّا أنّ «ابن فضال» فطحي المذهب.

وأما الأخبار الحسنة – وهي ثالث ما أشرنا إلیها سابقاً – فهي أیضاً معرَّفة بمثل تعریف الأخبار الصحیحة إلا أن بعض رواتها ممدوحٌ من دون أن یکون قد صرّح علماء الرجال بوثاقته. فالرواية المذکورة في الکافي الشریف «إِنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » حسنة لأن سندها هو «عَلِيُ‏ بْنُ‏ إِبْرَاهِيمَ‏ عَنْ‏ أَبِيهِ‏ عَنِ‏ ابْنِ‏ أَبِي‏ عُمَيْرٍ عَنْ‏ عَبْدِ اللَّهِ‏ بْنِ‏ سِنَانٍ‏ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ...»، فالرواة کلهم مذکورون بالأسماء إلا أن إبراهیم بن هاشم القمي – وهو المُعَبَّر عنه في السند بـ «أبیه» – ممدوح غیر مصرّح بوثاقته، فلقد وصفوه بأنه أول من نشر حدیث الکوفیین بقم  إلا أنهم لم یصرّحوا بوثاقته، فهذا ما أدّی إلی أن لا تکون الأخبار التي نقلها صحیحة.

وأما الأخبار الضعیفة – وهي أضعفها اعتباراً – فهي تشتمل علی صنوف مختلفة یشترک کلها في عدم الاندراج تحت الأقسام الثلاثة المذکورة سابقاً. فبعضها لم یُذکر في سندها أسماء جمیع الرواة کالرواية المذکورة في الکافي بهذا السند: «أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ:...»  فإنها مرفوعة فاقدة لأسماء بعض رواتها، وبعضها قد عُبّر عن بعض رواتها بتعابیر مبهمة کالرواية المذکور بهذا السند «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بُهْلُولٍ عَنْ‏ رَجُلٍ‏ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏...» فإنه عُبّر عن أحد الرواة بـ «رجل» ولا نعرف من هو، وبعضها یشتمل علی راوٍ غیر ثقة مثل الرواية المذکورة في الکافي بهذا السند: «علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع...»، فإن «محمد بن سلیمان الدیلمي» ضعیف جداً کما قال النجاشي ، وبعضها یشتمل علی راوٍ مجهول لا یمکن الحصول علی وثاقته أو مذهبه من خلال المصادر الرجالية کالرواية المذکورة بهذا السند: «مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع... » فإن الحسن بن أبي الحسین الفارسي لم یتّصف في المعاجم بشيء.

فتحصّل مما ذکرنا أن الأخبار تنقسم من حیث أسنادها إلی أربعة: الصحیحة، الموثقة، الحسنة والضعیفة؛ فالصحیحة هي أعلاها اعتباراً والضعیفة هي أضعفها استناداً ولا بد من تمییز بعضها من بعض من أجل استخدام صالحها في طریق استنباط الحکم الشرعي.

علي حیدري دلگرم